مؤمن الجندي يكتب: الرحلة الأخيرة منذ نصف ساعة

في حياة مليئة بالتقلبات هناك لحظة تسبق كل شيء، لحظة نادرة، لكنها أصدق ما يمكن أن يعيشه المرء، إنها لحظة الترقب، تلك المسافة الغامضة بين الفكرة وتجسيدها، بين الحلم وواقعه. بين ما نريد وما قد يكتبه القدر.

مؤمن الجندي يكتب: بالون مزدوج

مؤمن الجندي يكتب : 11:59

في تلك اللحظة يتوقف التنفس، ويتباطأ الزمن، ويصبح القلب كالطبول ينبض في فراغ واسع كل شيء يدور، أفكار، ذكريات، احتمالات، حتى الأحلام التي نسيناها تعود فجأة لتزورنا، تتسلل بين الظلال! هناك، في أعماق الترقب، يبدو كل شيء ممكنًا، ويبدو كل شيء مستحيلًا.

في لحظات الترقب التي تسبق كل رحلة، تكون الأحلام حاضرة بقوة، ويترسخ الأمل في الوصول بسلام لتحقيق الانتصارات… لكن هذه اللحظات نفسها تحمل في طياتها احتمالات أخرى، حيث تتحول أحيانا إلى ذكريات حزينة ومريرة تغيرت، كما فقد رأينا في تاريخ حوادث الطائرات التي أنهت مسيرة الفرق الرياضية تماما، من كارثة فريق تورينو الإيطالي عام 1949، إلى مأساة مانشستر يونايتد في ميونيخ عام 1958، و حادثة شابيكوينسي البرازيلي عام 2016. لحظات من الترقب. وكانت تلك الرحلات مليئة بالأمل قبل أن تتحول إلى مأساة غيرت وجه الرياضة والعالم.

واليوم عادت هذه المشاعر إلى السطح مع حادثة طائرة نادي بيراميدز، التي مر وفدها بساعات عصيبة أثناء عودتها من أنجولا، في لحظات حبس فيها الخطر أنفاسهم. تعرضت الطائرة لاضطرابات عنيفة وانخفض الضغط الجوي فجأة… وكان الجميع في حالة ترقب مرعب، بين… صلاة الخلاص والخوف من المجهول، قبل أن تتمكن الطائرة من الهبوط الاضطراري بسلام.

وجسدت تلك اللحظات هشاشة الحياة، مستذكرة مآسي الماضي التي تركت عالم الرياضة حزينا ومتأملا في نعمة الفداء.

وفي لحظة خفت ضجيج العالم بسبب شدة الصوت الداخلي. سمعنا أنفسنا كما لم نسمعها من قبل: دوافعنا وأسئلتنا ومخاوفنا وأحلامنا التي تراوغنا أحيانًا وتعود. تطاردنا في أوقات أخرى.

أرى الترقب كالفجر الذي يسبق شروق الشمس.. هي لحظة الوعد على وشك التحقق، حيث يلتقي الحلم بالنور. ولعل أعظم حكمة في الحياة هي أن ندرك أن الرحلة الأخيرة، بكل ما فيها من كرب ورعب، قادمة لا محالة، وأن ما سيأتي بعد ذلك هو مجرد فصل آخر في قصة سيكون الحساب فيها صعبا… لذلك نحن يجب أن تتعلم.

وفي النهاية تبقى الحياة مليئة باللحظات التي يجمع فيها الأمل والخوف، والترقب والصدمة بين هشاشة الحياة وتقلبها، ويظل الإيمان بالله وبقدره قائما، وهذا ما يجعلنا نستمر.

للتواصل مع الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top